العقل البشري في القران 2

تحدث العلم القرآني كثيرا عن (العقل) وأجزاءه, وعن تفرعاته وماهيته وكينونته ومهامه , وسنأخذ أمثلة قليلة بغرض البيان فقط:فصل لنا العلم القرآني علاقات العقل بأعضاء الجسم الأخرى ليصل بنا إلى تعريف العقل بأسلوب تعليمي تدريجي ,قال الرب العليم جل وعلا شأنه:" وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة : 171] " اختصرت هذه الآية كل وسائل العون والدعم المساندة للعقل فهي( وسائل الحس البشري) حيث كان السمع والبصر والنطق كناية عنها, ثم عاد العلم القرآني للتفصيل كما عهدناه في كل قضية علمية فكرر للبيان متعهدا بذلك حين قال" كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة : 242] " ففصل كما تعهد فقال ان للعقل مهام محددة تتضافر جهود عدد من أعضاء الجسم لإعانته على توفير المعلومات التي يرسلها كل عضو من جهته إلى العقل ’ والذي يقوم بدورة بعمليات معالجة معقدة لها بدءا بالتنسيق والفرز ثم الربط والمقارنة فالإضافة والتعديل والحذف ووضع الفرائض وإجراء العمليات اللازمة للخروج بالنتيجة(الحكم) . أ. البصر – العين :- قال تعالى:"..َيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة : 73], العضو البشري الأول المتعلق بالعقل هو الرؤية ( أي البصر) على اعتبار أن البصر أداة مساعدة للعقل ترسل له المعلومات القابلة للحفظ والأرشفة والتحليل( المعلومات المرئية تختص بعلوم العقل فيما يتعلق بالمواد المرئية - بالشكل والأبعاد والألوان).ب. قال عز من قائل: "ألم نجعل له عينين؟ ولسانا وشفتين" (1البلد-7-8) المعنى والاستفهام في النص تقريري هذا الدرس القرآني جاء في أجلّ معانيه اللغوية؛ فرتب (تبصّرا في المرئي)، ثم (وتفكّرا في رأى)، ثم(تداول الفكر بين المرء ونفسه بالإيمان به) ، ثم (التعبير عن ما آمن به باللسان وإخراجه كلاما من الشفتين.كثر ورود الآيات التي تدعو الإنسان إلى السير في الأرض والنظر في عواقب الأمم الغابرة، والقرون الخالية( أي النظر في التأريخ)على نحو ما نجده في قوله تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" [النمل : 69] وقوله " وقوله "فانظر إلى آثار رحمة ربك" وقوله عز وجل "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"وقد تنبه العلماء المسلمون إلى هذه الحقيقة من قبل، ويتضح ذلك في كثير من أقولهم، ومن ذلك على سبيل المثال قول ابن حزم في معرض حديثه عن الأجرام السماوية " أما معرفة قطعها في أفلاكها، وآناء ذلك ومطالعها وأبعادها وارتفاعها واختلاف مراكز أفلاكها، فعلم صحيح يشرف به الناظر فيه على عظيم قدرة الله عز وجل، وعلى يقين تأثيره وصنعته واختراعه تعالى للعالم بما فيه، وفيه الذي يضطر إلى الإقرار بالخالق" ابن حزم ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل، ط. مصر 1317هـ. ج 5، ص37.. العبن سبيل الإنسان لإدراك كنه ما تراه وكان للعين في الإسلام قيمتها العظيمة فاعتر الإسلام تساوي نصف الجسد حين جعل لها نصف الدية,الشارع, ذلك أن العينين هما نصف الإنسان، ومن تسبب في عمى امرئ فكأنما تسبب في موته؛ لأنه يحرمه بذلك نعمة الإدراك، ومتعة التأمل المؤدي إلى الإيمان.
ويرجع إلى ما تقدم قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن الله قال "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته عنهما الجنة" يريد عينيه. انظر إلى هذه التسمية: حبيبتيه! وإلى هذا الجزاء: الجنة!العين أجلّ الحواس:تعد العين أهم الحواس على الإطلاق، ذلك بما تُغني عنها في كثير من الأحوال، وبما هي أداة الملاحظة والاستقراء اللذين يقوم عليهما العلم، وبما هي مصداق العلم وموضع التثبت مما يتوصل إليه الإنسان في مجاله، والأدلة على ذلك أكثر من أن يحاط بها، وفيما يلي، أورد طائفة من هذه الأدلة تبدي حقيقة ما نحن بصدده أي خضوع النشاط العقلي لأدراك ظاهرة بصرية:أ . التقويم القمريّ:يلاحظ العالم باللغات وعلم الفلك أن التقويم القمري سبق التقويم الشمسي بقرون طويلة، وأن الشعوب كانت تعتمد دورة القمر في التعليم على حدود الزمان ذلك لأنها مما يدرك بالحس البصري، ولأن اعتماد الإنسان على حسه سبق اعتماده على عقله بزمان، ومصداق ذلك قول مدبر الكون عز وجل " هو الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" [يونس : 5] وقوله: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" [البقرة : 189]ويتضح ما أسلفنا في أن الألفاظ التي تدل على الحد الزمني "شهر" أي هي مدة دورة القمر ـ وردت في كثير من اللغات مشتقة من الألفاظ التي تدل على القمر، بل هي الألفاظ نفسها في كثير من اللغات، ومن أمثلة ذلك:1.في العربية:حيث تنصرف الكلمة "شهر" لدلالة أصلية على معنى الهلال، ثم للحد الزمني المعلم عليه بدورة القمر، فكأن الهلال "الشهر" يعلن "بشهر" بداية الحد الزمني لدورة قمرية كاملة,وفي السريانية هي (سهرا) وفي العبرية (سوهر) وباستعمال تراجم اللغات وجدنا معناها في بعض اللغات كالأتي:- في الفارسية تنصرف كلمة "ماه" لكل من القمر والشهر معا’وفي السواحيلية: وهي لغة شرق إفريقية، تستخدم كلمة "مويزي" في التعبير عن كل من القمر والشهر أيضا.وفي البربرية وبعض لهجاتها تستخدم كلمة "تليت" بمعنى شهر، وبمعنى قمر,وفي اللاتينية: Luna، وتعني قمر، وكذلك في الروسية، Nova Luna وتعني شهر، وفي الانجليزية "مون" Moon بمعنى قمر وهي ليست بعيدة عن Month بمعنى شهر.قال تعالى: " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن : 5] وقال في محكم القرآن " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ " فكان العلم القرآني هو المصدر الأصل الغير قابل للتغيير كمثل العلوم البشرية, وكان تحكيمه للعقل في هذه القضية تحكيم إدراك لشيء مبصر.العين والمعرفة:ولم نقل العين والعلم، لأن المعرفة أوعى وأشمل؛ فكل علم هو بعض المعارف، وليس العكس صحيحا.نقول أن للعين دور يبدو واضحا في أثرها في العقل وفلسفة الحياة. وفي لساننا العربي من الألفاظ والمعاني ما ينم عن تلك العظمة وذلك العمق، ولك أن تستبين ذلك في تقليب المفردات الآتية:1. الرأي: وهو الفكرة ووجهة النظر اللتين يستخلصهما الإنسان من موضوع ما، جراء اختبار بعض المقدمات والإرهاصات. واشتقاق الكلمة من الأصل (رأي) وهو أصلا لدلالة تقع على فعل العين، وهو الرؤية. فكأن الرؤية بالعين تقود إلى تمام المعرفة.2. البصيرة والبُصر، بمعنى الإدراك ، والعلم بالشيء والخبرة به. قال تعالى "أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" أي على علم، والله بصير بعباده، أي عليم. والبصر كما هو معروف، هو فعل العين المعروف، أي إدراكها المرئيات من حولها. ولما كان هو والرؤية سبيل الإنسان إلى العلم، فقد صرف الرأي والبصر والبصيرة لمعنى العلم أيضا.3. النظر: وهو أيضا فعل العين، وفلان ذو نظر في الأمور، إذا كان عارفا بمجرياتها، عالما بدقائقها التي تخفى على العامة. وتتضح هذه الدلالة للنظر في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام، قبل أن يخرج من حيرته "فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم" حيث المعنى أنه استقرى هيئة النجوم واستخلص منها ما علم وجعله يقول "إني سقيم".ويتضح أثر العين في أحداث العلم والتثبت في الأمور كلها، ومن ذلك أن الله تعالى اعتمد شهادة الإبصار دون شهادة السمع وغيرها في بعض الحدود والأحكام، كصوم رمضان برؤية الهلال، وكما هي الحال في حد الزنا على سبيل المثال.ولا نبالغ إن قلنا أن حاسة البصر تسد مسد بعض الحواس،فهي تغني عن حاسة اللمس للكشف عن خشونة الأجسام وملاستها، كما تغني عن حاستي الذوق والشم في بعض الأحوال، عندما يكون تمييز مصدر الطعم أو الرائحة بوساطة العين أمرا ممكنا.ومرد خطورة العين إلى أنها ترتبط بالدماغ ارتباطا أوثق من ارتباط غيرها من الحواس الأخرى، ولأنها أكثر تأثيرا من غيرها وأدق في التحقق مما يقع خارج الجسم، أما رأيت أن الإنسان يشم الرائحة أو يسمع الصوت أو يلمس الشيء، فإذا لم يتحقق منه استعان بعينه ليصل إلى القول الفصل؟والأدلة على مكانة العين كثيرة في القرآن كقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام "رب أرني كيف تحيي الموتى"والرؤية هنا مادية لأن إحياء الموتى إنما يكون ببعث الحركة فيهم، والحركة تدرك بحاسة البصر, وكان رده تعالى عليه "أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي" إذا فالرؤية هي سبيل الإنسان إلى الإيمان وهي دعامته، وتؤدي إلى طمأنينة القلب، وإزالة الشك، والتيقن، وهذان هما أساس للعلم .والبصر أدق في نقل المعلومات من السمع،لان العين تدرك الواقع الذي تكون عليه المرئيات، بينما تدرك الأذن موجات صوتية يترجمها العقل إلى معان، أي أن الأذن تتعامل مع رموز المرئيات والمعاني التي هي الكلمات، وليس معها هي ذاتها. وبعبارة أخرى، أن العين تدرك الأشياء مباشرة، أما الأذن فعلى نحو غير مباشر، وإنما تكمن الدقة في المباشرة،الألوان لا يمكن أن تدرك بغير البصر وأضيف أن معظم المعاني إنما تدرك بحاسة البصر، وقد يشاركها في ذلك بعض الحواس. كالطول والقصر، والعلو والانخفاض، والجمال والقبح، ونحو ذلك، إضافة إلى كل الذات والأجرام، مما يؤكد أن العين هي الطريق الأعظم الذي يصل بين العقل والعالم الخارجي.أن الله سبحانه وتعالى أمر الناس بعرض المسموع على محك الشك حتى تثبت صحته، ولا يكون ذلك إلا بالعين في الغالب، ويتضح في قوله تعالى: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة"كانت معجزات الأنبياء مما يدرك بالعين في معظم أحوالها. ومن هنا كان فضل "الذين يؤمنون بالغيب" أكبر على الذين تيسرت لهم فرصة المشاهدة.
وليس ما سبق يعني بالضرورة أن العين لا تكذب صاحبها، بالرغم من بلوغها مكانة خطيرة في تقرير المعارف فان كثيرا من الخدع تنطلي على العين كما فعل سحرة فرعون بأعين الناس حين غلبوا موسى عليه السلام على نحو ما يتضح في قوله تعالى "سحروا أعين الناس" ولأن العين تخدع فقد أسند الله عز وجل التكذيب المنفي (التصديق) إلى الفؤاد في قوله تعالى: "ما كذب الفؤاد ما رأى" والبصيرة أسمى من البصر، والرأي أسمى من الرؤية، وما يدرك بالأسمى أسمى مما يدرك به، وأجل وأحق بالعبادة.وسبحان القائل: "أولم يتفكروا في أنفسهم" " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق" ت. السمع:قال تعالى" يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة : 75] " أداة مساعدة أخرى من الأدوات المعينة للعقل وهي السمع , قال سبحانه سمعوا فعقلوا , بمعنى أن ما جرى سماعه تم تحليله عقليا فثبت صدقه فبات علما ومعرفة, بهذا ينبئ العلم القرآني بأكثر من معلومة في هذا النص الأولى : أن السمع من الأدوات المساعدة للعقل كمصدر للمعلومات القابلة للتحليل , وهي الأصوات بأنواعها واختلاف مصادرها, أما الثانية فهي: بيان قرآني لإحدى مهام العقل وهي مهمة العلم مبينا أن المعلوم للعقل هو ما سبق استيراد المعلومات عنه حسيا أو بصريا أو سمعيا وتحليها والثقة بها ثم حفظها , هذا هو تعريف ماهية العلم في القرآن ( الشيء الذي توفرت مواصفاته صوتا وحسا وسمعا بواسطة وسائل التعرف البشرية وأرسلتها هذه الوسائل للعقل فقام بعلاجها في عمليات معقده منها المقارنة بسواها ومنها إضافة الجديد إليها ومنها التأكد واليقين له أنه باتت صالحة للحفظ بعد التقييم فيكون هذا الشيء بالنتيجة وبعد الحفظ قد صار معرفة, تضاف إلى المعارف الأسبق قابلة للتأثر بالمعلومات الأحدث بعد إجراء العمليات العقلية الأخرى عليه , فيكون الإجمال لهذا الكم ألمعلوماتي هو المعرفة.ث. الأخذ بالنصيحة من المصدر الموثوق هي من مهام العقل, قال تعالى" ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام : 151] " لان النصيحة تحتاج للتدبر والتدبر هو التمييز والتمييز يقوم على تحليل ومقارنة المعلومات المتوافرة وما النصيحة إلا دعوة لتنشيط العقل لتدبرها فان حكم بالتصديق أخذ بها منهجا وإن خانه التحليل والتمييز كان المصدر للحكم كاذبا وقد علمنا القرآن ذلك عن مركز الحكم في العقل فقال" ناصية كاذبة خاطئة"ج. اللغة : من عوامل التعقل وأداة مساعدة للعقل إلى جانب البصر والسمع قال تعالى" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف : 2] " هذه الإشارة العلمية القرآنية للغة العربية مقرنة بعلوم القرآن تحديدا, ونضرب مثلا على الكلمات العربية المعجمية التي لا تقابلها كلمات تفسرها في اللغات الأخرى مما يلزم الباحث في علوم القرآن الالتزام بهذه المصطلحات وعدم إخضاعها للمصطلحات البشرية كمثل ترجمتك لكلمة (النور) بالضوء, أو ترجمتك لنص( الشمس تجري في فلكها) بجملة الشمس تسير في مدارها , فالجريان له معنى في القرآن يختلف عن السير العادي والفلك أيضا له معناه الذي يختلف عن المدار, لهذا نصدق قول القرآن بان اللغة مصدر من مصادر العلم, ووسيلة من وسائل إسناد العقل.ح. الإيحاء : قال تعالى" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم ....أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [يوسف : 109] " الإيحاء الرباني بحد ذاته من أكبر مصادر العلم ونستدل بإعجاز الإيحاء للنحل, هذا المخلوق الصغير العجيب في سلوكه ونظامه وإنتاجه , كل ما فيه كان وحيا بدليل قول الله تعالى"وأوحى ربك إلى النحل أن .... " كذلك هي علوم الأنبياء والرسل كلها من الوحي وللمثال فقط نقول ذلك هو محمد النبي الأمي الذي خلا زمنه من عالم واحد قال أن أصل الجنين في بطن أمه يكون علقة فمضغة وأشهر علوم ذلك الزمان قالت أن أصل الجنين يتكون من دم حيض المرأة في حين كانت علوم محمد النبي الأمي ( أنها من أمشاج ...) هذه العلوم ما كانت للناس غير المسلمين إلا حديثا , وعلوم المسلمين كانت من الوحي.خ. التذوق: إحدى وسائل التعرف البشري , وهي من وسائل العقل للحصول على المعلومات قال تعالى" وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد : 4] " فان طعم مأكول يتميز عن طعم آخر درجات في الملوحة أو الحلاوة أو الحموضة تلك معلومات يحتفظ بها العقل بعد تخزينها والتعرف عليها.بدليل قوله تعالى" وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 67] "محدودية العقل:- إن كون العقل شيء مخلوق، ففي هذا دلالة على أن قدراته لها منتهى وحدود، وبحكم ذلك لا سبيل لاتصافه بالقدرة المطلقة، فهي من صفات الخالق تعالى، ولذلك يحب أن يقف العقل عن البحث في الأمور التي فوق طاقته، مثل البحث عن ذات الله وفي الروح وأمور أخرى حفاظاً وصيانة له ورحمة، قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" هذا هو الحد العلمي الممنوح للعقل البشري , انه القليل, وقال تعالى: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو).وقد ورد في الحديث الشريف: (تفكروا في خلق الله ولا في الله فتهلكوا).العقل والقدرات التنفيذية الخلاقةالعقل البشري نعمة من نعم الله تعالى إذ أمر الله عباده بالتفكير والتدبر في آيات عديدة من القرآن الكريم، قال عز وجل في التدبر: (أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها).وقال تعالى في التفكر: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه أن ذلك لأيات لقوم يتفكرون".إن العقل البشري دفع الإنسان منذ بداية قدومه إلى الأرض، إلى طرح الأسئلة واقتراح الإجابات عليه بالتفكر الذي هو نشاط العقل الإنساني وسبحان القائل" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام : 50]المفكرون: فئة من الناس صنفها القرآن فكانت فئة المفكرون وهي من العقلاء ولهؤلاء خص القرآن مهامهم وفصل لهم فقال كما في النحل " ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 69] " وقال للناس هذا علم خاص بالمتفكرين الذين يضعون المعطيات بين أيديهم ويتفكروا في العلاقات بينها فيفهموا الحاصل كيفا ونوعا...وعليه توجه المفكرون للبحث في العلاقة بين ما تأكله النحل من الثمرات وما تنتجه من شراب عسل فتبين لهم أن كل نوع من الطعام ينتج نوعا مختلفا من العسل لونا وكثافة وطعما وعلاجا...هكذا نصل معا إلى مقصدنا في بيان توجيه القرآن قوم العقلاء الى تدبر قضايا خاصة مع بيان الأسباب فقلنا أن ما يكون من المعلوم عن طريق معينات العقل فعلى العقل تدبرها تفكرا والحكم عليها. وقلنا أن القرآن ذكر فئات أخرى من الناس اختصهم في تدبر قضايا أخرى نسميها العلمية ومختصة بالعلماء فمن هم العلماء في تعريف الاصطلاح القرآني وما هي القضايا التي وجهها لهم أو اختصهم بها؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق